اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ، ﻣﺤﻤﺪ أدﯾﺐ. دﻣﺸﻖ اﻟﺸﺎم و ﺻﺎﻟﺤﯿﺘﮭﺎ: ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻋﺸﺮ اﻟﮭﺠﺮﯾﯿﻦ، اﻟﻤﻮاﻛﺒﯿﻦ ﻟﻠﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدﯾﯿﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺸﯿﺦ
ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ. دﻣﺸﻖ: ﻣﻜﺘﺒﺔ دار اﻟﺼﻔﺎ،١٩٩٨، ٧٣٦ص.
دﻣﺸﻖ اﻟﺸﺎم و ﺻﺎﻟﺤﯿﺘﮭﺎ: ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ اﻟﮭﺠﺮﯾﯿﻦ، اﻟﻤﻮاﻛﺒﯿﻦ
ﻟﻠﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدﯾﯿﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ
ﯾﺸﻜﻞ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ٧٣٦ ﺻﻔﺤﺔ ﻋﻤﻼ ﺿﺨﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺮة وﯾﺘﻨﺎول ﺣﯿﺎة اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ اﻟﺸﮭﯿﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ (١٦٤٠- ١٧٣٣) و أﻋﻤﺎﻟﮫ، و ﺗﻔﺎﻋﻠﮫ ﻣﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ و اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﯿﻦ. ﯾﺮﻛﺰ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﻋﻠﻰ ﺣﻲ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﺔ ﺷﻤﺎل اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺣﯿﺚ ﻋﺎش اﻟﺸﯿﺦ و ﻋﻤﻞ و دﻓﻦ، ﺣﯿﺚ ﻋﺎش أﺟﺪاده و أﺣﻔﺎده ﻋﺒﺮ اﻟﻘﺮون و ارﺗﺒﻂ اﺳﻤﮫ ﺑﮭﺎ دوﻣﺎ. و ﻗﺎم ﺣﻔﯿﺪه ﻣﺤﻤﺪ أدﯾﺐ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﺑﺘﺄﻟﯿﻒ اﻟﻜﺘﺎب إﺣﯿﺎء ﻟﺬﻛﺮى اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺸﮭﯿﺮ.
أﺳﺲ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎدر ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎت اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ،
و اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ و اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﻋﻨﮫ، و ﺗﺮاﺟﻢ ﻣﻌﺎﺻﺮﯾﮫ و زﻣﻼﺋﮫ اﻟﻌﻠﻤﺎء و ﺗﻼﻣﯿﺬه و ﻛﺬﻟﻚ
اﻟﺤﻮارات اﻟﺘﻲ أﺟﺮاھﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﯾﻦ و ﻣﻊ ﻛﺒﺎر ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﺬﯾﻦ
رووا ﻟﮫ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﯾﺎ و اﻟﻄﺮاﺋﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﻨﺎﻗﻠﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﯿﻞ إﻟﻰ ﺟﯿﻞ. ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺐ ﻛﺘﺎﺑﮫ
اﺗﺒﻊ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺧﻄﺎ زﻣﻨﯿﺎ ﻣﺴﺘﻜﺸﻔﺎ ﺣﯿﺎة اﻟﺸﯿﺦ و ﺳﯿﺮﺗﮫ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ، ﻣﻨﺬ ﻛﺎن طﻔﻼ ﻣﻠﮭﻤﺎ ﯾﺪرس
ﻋﻠﻰ ﯾﺪ واﻟﺪه اﻟﻤﺜﻘﻒ ﺛﻢ ﯾﺘﻠﻘﻰ اﻟﺪﻋﻢ ﻣﻦ واﻟﺪﺗﮫ اﻟﺘﻲ وﻓﺮت ﻟﮫ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎ راﻗﯿﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻛﺒﺎر
اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﻌﺪ رﺣﯿﻞ واﻟﺪه، ﻣﺘﺘﺒﻌﺎ ﻋﻦ ﻗﺮب ﺗﻄﻮر ﺳﯿﺮة اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻋﺒﺮ ﻛﻞ ﻣﺮاﺣﻠﮭﺎ، ﯾﺴﺒﺮ
ﻋﻤﻠﮫ و إﻧﺠﺎزاﺗﮫ ﺑﻮﺻﻔﮫ ﻓﻘﯿﮭﺎ و ﻣﻔﻜﺮا و ﺻﻮﻓﯿﺎ و ﻣﺪرﺳﺎ و ﻟﻐﻮﯾﺎ و ﻛﺎﺗﺒﺎ و ﺷﺎﻋﺮا. و ﻓﻲ
ﺧﻂ ﻣﻮاز ﯾﺴﻠﻂ ﺿﻮءا ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎﻋﻠﮫ ﻣﻊ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠّﻢ و ﻋﻠﱠﻢ و ﻋﻤﻞ
ﻓﯿﮭﺎ، و ﻣﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﺔ ﻋﺒﺮ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﺠﺎﻟﺴﮫ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺸﮭﯿﺮة، و ﺗﺄﻟﯿﻒ
اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ و اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎزاﻟﺖ اﻷﺟﯿﺎل ﻓﻲ ﺳﻮرﯾﺎ ﺗﺮددھﺎ و ﻋﺒﺮ ﺗﻨﺎول اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ
اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﮫ.
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺼﻮﯾﺮھﻤﺎ ﻛﺒﯿﺌﺘﯿﻦ ﻓﻜﺮﯾﺘﯿﻦ ﻧﺸﯿﻄﺘﯿﻦ، ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﺔ و دﻣﺸﻖ ﺑﻮﺻﻔﮭﻤﺎ
أرﺿﯿﺘﯿﻦ ﻣﺮﻛﺰﯾﺘﯿﻦ ﺗﻀﺎﻓﺮت ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺣﯿﺎة اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺣﯿﺎﺗﮫ اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ. اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﺔ اﻟﺘﻲ
ﺣﻮﱠل اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﻗﺼﺮه اﻟﺸﺘﻮي ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺔ و ﺻﺎﻟﺘﮫ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﻌﻠﯿﻤﻲ ﺗﻠﻘﻲ
ظﻼ ﻏﺎﻣﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮد. و ﺗﻈﮭﺮ دﻣﺸﻖ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻜﺮر ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﺒﺮ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ اﻟﺤﻤﯿﻤﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﻌﺔ
اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﺔ و ﺧﺎﺻﺔ ﻏﻮطﺘﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺘﺮدد إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ و ﺗﻼﻣﯿﺬه و اﻟﺘﻲ ﻛﺮس ﺑﻌﺾ ﻗﺼﺎﺋﺪه
ﻟﮭﺎ.
ﯾﺮاﻓﻖ اﻟﻜﺘﺎب ﻛﺸﺎف طﻮﯾﻞ ﺑﻤﺌﺎت ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ و أطﺮوﺣﺎﺗﮫ و رﺳﺎﺋﻠﮫ و دواوﯾﻨﮫ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ و ﯾﺘﻀﻤﻦ أﯾﻀﺎ ﺻﻮرا ﺗﻮﺿﯿﺤﯿﺔ ﻵﺛﺎر و ﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ دﻣﺸﻖ و ﺻﻮرة ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﺧﻄﮭﺎ ﻓﻨﺎن ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ أوﺻﺎف ﻗﺪﻣﮭﺎ ﻋﻨﮫ ﺗﻼﻣﯿﺬه و أﺣﻔﺎده.
ﯾﺸﻜﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺴﺎھﻤﺔ ھﺎﻣﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ و اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﺪﻣﺸﻖ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻷول، و ﯾﻀﻢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﺪﯾﺪة ﻟﻢ ﯾﺴﺒﻖ ﻧﺸﺮھﺎ. و ﻟﻜﻦ و ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﯾﺘﺸﺘﺖ اﻟﺴﺮد ﺧﺎرج ﺳﯿﺎﻗﮫ، و ﯾﻨﺰﻟﻖ ﻓﻲ اﻟﺒﻼﻏﺔ و اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن، و ﺧﺎﺻﺔ ﺣﯿﻦ ﯾﺴﺘﻄﺮد اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﮫ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻣﺪﻓﻮﻋﺎ ﺑﺤﻤﺎﺳﮫ ﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﺻﻠﺘﮫ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻈﯿﻢ. و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻌﺜﺮة اﻟﻜﺒﺮى ﻟﮭﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻋﺪم إﯾﻼﺋﮫ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻹﻧﺠﺎزات اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﻣﺜﻞ آراﺋﮫ اﻟﺘﺤﺮرﯾﺔ اﻟﺮاﺋﺪة ﻓﻲ إﺟﺎزة اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﺎ ﺷﺮﻋﺎ و اﻣﺘﺪاﺣﮭﺎ و اﻟﺘﻲ أدﺧﻠﺘﮫ ﻓﻲ ﺻﺪام ﻣﻊ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﻓﻲ زﻣﺎﻧﮫ، و اﻟﻤﺮور ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﺑﺮ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻵراء اﻟﻤﻌﺘﺪﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎھﻤﺖ ﻓﻲ إدﺧﺎﻟﮫ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره أﺣﺪ اﻟﺘﻨﻮﯾﺮﯾﯿﻦ اﻟﻨﮭﻀﻮﯾﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻷول.
ﻋﻄﺎرد ﺣﯿﺪر
اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ، ﻣﺤﻤﺪ أدﯾﺐ. دﻣﺸﻖ اﻟﺸﺎم و ﺻﺎﻟﺤﯿﺘﮭﺎ: ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻋﺸﺮ اﻟﮭﺠﺮﯾﯿﻦ، اﻟﻤﻮاﻛﺒﯿﻦ ﻟﻠﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدﯾﯿﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺸﯿﺦ
ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ. دﻣﺸﻖ: ﻣﻜﺘﺒﺔ دار اﻟﺼﻔﺎ،١٩٩٨، ٧٣٦ص.
دﻣﺸﻖ اﻟﺸﺎم و ﺻﺎﻟﺤﯿﺘﮭﺎ: ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ اﻟﮭﺠﺮﯾﯿﻦ، اﻟﻤﻮاﻛﺒﯿﻦ
ﻟﻠﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ و اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدﯾﯿﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ
ﯾﺸﻜﻞ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ٧٣٦ ﺻﻔﺤﺔ ﻋﻤﻼ ﺿﺨﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺮة وﯾﺘﻨﺎول ﺣﯿﺎة اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ اﻟﺸﮭﯿﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ (١٦٤٠- ١٧٣٣) و أﻋﻤﺎﻟﮫ، و ﺗﻔﺎﻋﻠﮫ ﻣﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ و اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﯿﻦ. ﯾﺮﻛﺰ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﻋﻠﻰ ﺣﻲ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﺔ ﺷﻤﺎل اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺣﯿﺚ ﻋﺎش اﻟﺸﯿﺦ و ﻋﻤﻞ و دﻓﻦ، ﺣﯿﺚ ﻋﺎش أﺟﺪاده و أﺣﻔﺎده ﻋﺒﺮ اﻟﻘﺮون و ارﺗﺒﻂ اﺳﻤﮫ ﺑﮭﺎ دوﻣﺎ. و ﻗﺎم ﺣﻔﯿﺪه ﻣﺤﻤﺪ أدﯾﺐ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﺑﺘﺄﻟﯿﻒ اﻟﻜﺘﺎب إﺣﯿﺎء ﻟﺬﻛﺮى اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺸﮭﯿﺮ.
أﺳﺲ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎدر ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎت اﻟﺸﯿﺦ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ،
و اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ و اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﻋﻨﮫ، و ﺗﺮاﺟﻢ ﻣﻌﺎﺻﺮﯾﮫ و زﻣﻼﺋﮫ اﻟﻌﻠﻤﺎء و ﺗﻼﻣﯿﺬه و ﻛﺬﻟﻚ
اﻟﺤﻮارات اﻟﺘﻲ أﺟﺮاھﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﯾﻦ و ﻣﻊ ﻛﺒﺎر ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﺬﯾﻦ
رووا ﻟﮫ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﯾﺎ و اﻟﻄﺮاﺋﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﻨﺎﻗﻠﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﯿﻞ إﻟﻰ ﺟﯿﻞ. ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺐ ﻛﺘﺎﺑﮫ
اﺗﺒﻊ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺧﻄﺎ زﻣﻨﯿﺎ ﻣﺴﺘﻜﺸﻔﺎ ﺣﯿﺎة اﻟﺸﯿﺦ و ﺳﯿﺮﺗﮫ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ، ﻣﻨﺬ ﻛﺎن طﻔﻼ ﻣﻠﮭﻤﺎ ﯾﺪرس
ﻋﻠﻰ ﯾﺪ واﻟﺪه اﻟﻤﺜﻘﻒ ﺛﻢ ﯾﺘﻠﻘﻰ اﻟﺪﻋﻢ ﻣﻦ واﻟﺪﺗﮫ اﻟﺘﻲ وﻓﺮت ﻟﮫ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎ راﻗﯿﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻛﺒﺎر
اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﻌﺪ رﺣﯿﻞ واﻟﺪه، ﻣﺘﺘﺒﻌﺎ ﻋﻦ ﻗﺮب ﺗﻄﻮر ﺳﯿﺮة اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻋﺒﺮ ﻛﻞ ﻣﺮاﺣﻠﮭﺎ، ﯾﺴﺒﺮ
ﻋﻤﻠﮫ و إﻧﺠﺎزاﺗﮫ ﺑﻮﺻﻔﮫ ﻓﻘﯿﮭﺎ و ﻣﻔﻜﺮا و ﺻﻮﻓﯿﺎ و ﻣﺪرﺳﺎ و ﻟﻐﻮﯾﺎ و ﻛﺎﺗﺒﺎ و ﺷﺎﻋﺮا. و ﻓﻲ
ﺧﻂ ﻣﻮاز ﯾﺴﻠﻂ ﺿﻮءا ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎﻋﻠﮫ ﻣﻊ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠّﻢ و ﻋﻠﱠﻢ و ﻋﻤﻞ
ﻓﯿﮭﺎ، و ﻣﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﺔ ﻋﺒﺮ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﺠﺎﻟﺴﮫ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺸﮭﯿﺮة، و ﺗﺄﻟﯿﻒ
اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ و اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎزاﻟﺖ اﻷﺟﯿﺎل ﻓﻲ ﺳﻮرﯾﺎ ﺗﺮددھﺎ و ﻋﺒﺮ ﺗﻨﺎول اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ
اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﮫ.
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺼﻮﯾﺮھﻤﺎ ﻛﺒﯿﺌﺘﯿﻦ ﻓﻜﺮﯾﺘﯿﻦ ﻧﺸﯿﻄﺘﯿﻦ، ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﺔ و دﻣﺸﻖ ﺑﻮﺻﻔﮭﻤﺎ
أرﺿﯿﺘﯿﻦ ﻣﺮﻛﺰﯾﺘﯿﻦ ﺗﻀﺎﻓﺮت ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺣﯿﺎة اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺣﯿﺎﺗﮫ اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ. اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﺔ اﻟﺘﻲ
ﺣﻮﱠل اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﻗﺼﺮه اﻟﺸﺘﻮي ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺔ و ﺻﺎﻟﺘﮫ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﻌﻠﯿﻤﻲ ﺗﻠﻘﻲ
ظﻼ ﻏﺎﻣﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮد. و ﺗﻈﮭﺮ دﻣﺸﻖ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻜﺮر ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﺒﺮ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ اﻟﺤﻤﯿﻤﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﯿﻌﺔ
اﻟﺪﻣﺸﻘﯿﺔ و ﺧﺎﺻﺔ ﻏﻮطﺘﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺘﺮدد إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ و ﺗﻼﻣﯿﺬه و اﻟﺘﻲ ﻛﺮس ﺑﻌﺾ ﻗﺼﺎﺋﺪه
ﻟﮭﺎ.
ﯾﺮاﻓﻖ اﻟﻜﺘﺎب ﻛﺸﺎف طﻮﯾﻞ ﺑﻤﺌﺎت ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ و أطﺮوﺣﺎﺗﮫ و رﺳﺎﺋﻠﮫ و دواوﯾﻨﮫ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ و ﯾﺘﻀﻤﻦ أﯾﻀﺎ ﺻﻮرا ﺗﻮﺿﯿﺤﯿﺔ ﻵﺛﺎر و ﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ دﻣﺸﻖ و ﺻﻮرة ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﺧﻄﮭﺎ ﻓﻨﺎن ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ أوﺻﺎف ﻗﺪﻣﮭﺎ ﻋﻨﮫ ﺗﻼﻣﯿﺬه و أﺣﻔﺎده.
ﯾﺸﻜﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺴﺎھﻤﺔ ھﺎﻣﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ و اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﺪﻣﺸﻖ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻷول، و ﯾﻀﻢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﺪﯾﺪة ﻟﻢ ﯾﺴﺒﻖ ﻧﺸﺮھﺎ. و ﻟﻜﻦ و ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن ﯾﺘﺸﺘﺖ اﻟﺴﺮد ﺧﺎرج ﺳﯿﺎﻗﮫ، و ﯾﻨﺰﻟﻖ ﻓﻲ اﻟﺒﻼﻏﺔ و اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن، و ﺧﺎﺻﺔ ﺣﯿﻦ ﯾﺴﺘﻄﺮد اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﮫ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻣﺪﻓﻮﻋﺎ ﺑﺤﻤﺎﺳﮫ ﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﺻﻠﺘﮫ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻈﯿﻢ. و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻌﺜﺮة اﻟﻜﺒﺮى ﻟﮭﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻋﺪم إﯾﻼﺋﮫ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻹﻧﺠﺎزات اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻠﺸﯿﺦ اﻟﻨﺎﺑﻠﺴﻲ ﻣﺜﻞ آراﺋﮫ اﻟﺘﺤﺮرﯾﺔ اﻟﺮاﺋﺪة ﻓﻲ إﺟﺎزة اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﺎ ﺷﺮﻋﺎ و اﻣﺘﺪاﺣﮭﺎ و اﻟﺘﻲ أدﺧﻠﺘﮫ ﻓﻲ ﺻﺪام ﻣﻊ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﻓﻲ زﻣﺎﻧﮫ، و اﻟﻤﺮور ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﺑﺮ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻵراء اﻟﻤﻌﺘﺪﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎھﻤﺖ ﻓﻲ إدﺧﺎﻟﮫ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره أﺣﺪ اﻟﺘﻨﻮﯾﺮﯾﯿﻦ اﻟﻨﮭﻀﻮﯾﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻷول.
ﻋﻄﺎرد ﺣﯿﺪر